سورة المزمل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المزمل)


        


{وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)}
{وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} ينشب في الحلوق ولا يكاد يساغ كالضريع والزقوم وعن ابن عباس شوك من نار يعترض في حلوقهم لا يخرج ولا ينزل: {وَعَذَابًا أَلِيمًا}.
{يَوْمٍ} ونوعًا آخر من العذاب مؤلمًا لا يقادر قدره ولا يعرف كنهه إلا الله عز وجل كما يشعر بذلك المقابلة والتنكير وما أعظم هذه الآية فقد أخرج الإمام أحمد في الزهد وابن أبي داود في الشريعة وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من طريق حمران بن أعين عن أبي حرب بن الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ أن لدينا أنكالًا إلخ فصعق وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام نفسه قرأ أن لدينا أنكالًا فلما بلغ أليمًا صعق وقال خالد بن حسان أمسى عندنا الحسن وهو صائم فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية أن لدينا إلخ فقال أرفعه فلما كانت الليلة الثانية أتيته بطعام فعرضت له أيضًا فقال ارفعه وكذلك الليلة الثالثة فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم بحديثه فجاؤا معه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق وفي الحديث السابق إذا صح ما يقيم العذر للصوفية ونحوهم الذين يصعقون عند سماع بعض الآيات ويقعد إنكار عائشة رضي الله تعالى عنها ومن وافقها عليهم اللهم إلا أن يقال إن الإنكار ليس إلا على من يصدر منه ذلك اختيارًا وهو أهل لأن ينكر عليه كما لا يخفى أو يقال صعق من الصعق بسكون العين وقد يحرك غشي عليه لا من الصعق بالتحريك شدة الصوت وذلك مما لم تنكره عائشة رضي الله تعالى عنها ولا غيرها وللإمام في الآية كلام على نحو كلام الصوفية قال أعلم أنه يمكن حمل هذه المراتب الأربعة على العقوبة الروحانية أما الأنكال فهي عبارة عن بقاء النفس في قيد التعلقات الجسمانية واللذات البدنية فإنها في الدنيا لما اكتسبت ملكة تلك المحبة والرغبة فبعد البدن يشتد الحنين مع أن آلات الكسب قد بطلت فصارت تلك كالأنكال والقيود المانعة له من التخلص إلى عالم الروح والصفاء ثم يتولد من تلك القيود الروحانية نيران روحانية فإن شدة ميلها إلى الأحوال البدنية وعدم تمكنها من الوصول إليها توجب حرقة شديدة روحانية كمن تشتد رغبته في وجدان شيء ثم أنه لا يجده فإنه يحترق قلبه عليه فذاك هو الجحيم ثم إنه يتجرع غصة الحرمان وألم الفراق فذاك هو المراد من قوله سبحانه وطعامًا ذا غصة ثم أنه بسبب هذه الأحوال بقي محرومًا عن تجلي نور الله تعالى والانخراط في سلك القدسيين وذلك هو المراد بقوله عز وجل وعذابًا أليمًا وتنكير عذابًا يدل على أنه أشد مما تقدم وأكمل واعلم أني لا أقول المراد بالآية ما ذكرته فقط بل أقول إنها تفيد حصول المراتب الأربعة الجسمانية وحصول المراتب الأربعة الروحانية ولا يمتنع الحمل عليهما وإن كان اللفظ بالنسبة إلى المراتب الجسمانية حقيقة وبالنسبة إلى المراتب الروحانية مجازًا لكنه مجاز متعارف مشهور انتهى وتعقب بأنه بالحمل عليهما يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز من غير قرينة وليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه وأنت تعلم أن أكثر باب الإشارة عند الصوفية من هذا القبيل.


{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)}
وقوله تعالى: {تَرْجُفُ الارض والجبال} قيل متعلق بذرني وقيل صفة {عذابًا} وقيل متعلق بأليمًا واختار جمع أنه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به {لدينا} أي استقر ذلك العذاب لدينا وظهر يوم تضطرب الأرض والجبال وتتزلزل وقرأ زيد بن علي ترجف مبنيًا للمفعول {وَكَانَتِ الجبال} مع صلابتها وارتفاعها {كَثِيبًا} رملًا مجتمعًا من كثب الشيء إذا جمعه فكأنه في الأصل فعيل عنى مفعول ثم غلب حتى صار له حكم الجوامد والكلام على التشبيه البليغ وقيل لا مانع من أن تكون رملًا حقيقة {مَّهِيلًا} قيل أي رخوًا لينًا إذا وطئته القدم زل من تحتها وقيل منثورًا من هيل هيلًا إذا نثر وأسيل كونه كثيبًا باعتبار ما كان عليه قبل النثر فلا تنافي بين كونه مجتمعًا ومنثورًا وليس المراد أنه في قوة ذلك وصدده كما قيل.


{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ} خطاب للمكذبين أولى النعمة سواء جعلوا القائلين أو بعضهم ففيه التفات من الغيبة وهو التفات جليل الموقع أي أنا أرسلنا إليكم أيها المكذبون من أهل مكة {رَسُولًا شاهدا عَلَيْكُمْ} يشهد يوم القيامة بما صدر عنكم من الكفر والعصيان {كَمَا أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} هو موسى عليه السلام وعدم تعيينه لعدم دخله في التشبيه أو لأنه معلوم غني عن البيان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7